من منطلق أنّ المواطنة بمعناها الشّامل تمثّل الإطار الذي تتشكّل داخله معالم البناء الدّيمقراطي، فإنّهما معا (المواطنة والدّيمقراطيّة) في ارتباط شرطي بالدّور الحيوي الذي ينبغي أن تقوم به النّخب. غير أنّ الواقع السّياسي في تونس الممتدّ في الماضي إلى ما يناهز القرن من الزّمن يسجّل انحصار النّخبة في وضعها التّقني الذي يشتغل في فضاء السّلطة بمعناها العام الذي يجمع بين سلطة النّظام المجتمعي والسلطة القائمة على الدّولة، أكثر من تعزيز دورها الفكري في فضاء السّلطة الضدّيّة وانخراطها في الفضاء العمومي الذي تُبنى فيه مقوّمات المواطنة على منطق التّوازن بين مبادئ الحقوق الشاملة والواجبات الشّاملة. هذه المفارقة تولّد التّساؤل عن ضعف الحضور التّاريخي للمثقّف العضوي الذي يسخّر فكره التقدّمي في خدمة قضايا مجتمعه. الأمر الذي تولّد عنه ضعف “دورة الصّفوة” وعدم استرسال تعاقبها الفعّال في مواجهة القضايا المواطنيّة المتجدّدة، إلاّ بشكل باهت وفي حالات استثنائيّة. ولاشكّ أنّ تعطّل المسار الانتقالي نحو بناء الدّيمقراطيّة يعتبر دليلا على ذلك، ويحفّز على التّفكير في مثلّث النّخب والمواطنة والسّلطة الضدّيّة. وهو محور جدير بأن يكون موضوع نظر وتفكير خلال الدّورة الثانية من المدرسة الدّكتوراليّة للجامعة المواطنيّة.   

.