You are currently viewing الضمير؟

الضمير؟

في ظلّ حالة الانغلاق العام خلال فترة حكم نظام زين العابدين بن علي، احتكرت الدولة الحديث نيابة عن التونسيّين، وفرضت تعريفات مخصوصة على مفاهيم كونيّة. عقب الثورة، طفت نقاشات جديدة على ساحة النقاش العام، ومنها مسألة حريّة الضمير التي بلغ الجدال حولها ذروته تحت قبّة المجلس التأسيسيّ المكلّف بمهمّة كتابة دستور جديد يؤسس لجمهوريّة ثانية. لكن، رغم انتهاء المداولات بدسترة حريّة الضمير، ما يزال تعريف المفهوم وحصر حدوده يشهد مدّا وجزرا.

يندرج هذا الكتاب ضمن السياق الواسع لهذا النقاش، ويشمل ورقات شاركت بها مجموعة من أبرز المثقفين التونسيّين في أعمال النسخة الأولى من “منتدى الهاشمي الطرودي لحريّة الفكر والضمير”، الذي انعقد في مدينة نفطة، مسقط رأس الصحافيّ الراحل، يومي 15 و16 أفريل 2017، بالشراكة مع مكتب التعاون الأكاديميّ لمؤسسة روزا لكسمبورغ.

ترأس أعمال المنتدى عبد المجيد الشرفي، ونسّق الكتاب عبد الكريم قابوس، وإضافة إلى ورقة عمل بعنوان “حريّة الفكر والضمير: أيّة مقاربة في إطار التحوّلات العربيّة والإسلاميّة؟”، حوى العمل تسع مساهمات ومقدّمة، جاءت جميعها في 159 صفحة.

تشرح ورقة العمل أسباب اختيار نقاش مسألة الضمير وربطها بالصحافيّ والكاتب الهاشمي الطرودي، حيث عاش هذا الأخير نفسه “اشكاليّة حريّة الضمير”، وذلك لجمعه أولا بين تكوين زيتونيّ تقليديّ وانخراطه لاحقا في الحركة اليساريّة فمزج بين “علمانيّة صارمة وانتساب للإسلام المجتمعيّ” دون أن يتخلى عن أحدهما.

ويظهر البحث عن تأصيل حريّة الضمير بشكل جليّ في الدرس الافتتاحيّ لرئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة”، عبد المجيد الشرفي، حيث يحاول شرح الانتقال من المجتمعات التقليديّة القائمة على المحاكاة والتراتبيّة إلى المجتمعات الحديثة وبروز استقلاليّة الفرد وما يقترن بها من قيم على رأسها حريّة الضمير. لا تبتعد المساهمات الأخرى عن هذا المجال، فباستثناء مساهمة قابوس بعنوان “شيخنا الهاشمي الطرودي: المعلم الأول”، تتناول بقيّة النصوص مواضيع عامّة من مناظير مختلفة.

انطلاقا من تأويلات قانونيّة، من تجربتها الخاصّة، ومن نشاطها في المجال العام والتحليل النفسيّ، تحاول رجاء بن سلامة من خلال نصّها “ما هي حريّة الضمير في تونس؟” توسيع تعريف المفهوم من إلقاء الضوء على تقاطعات هامشيّة لا تشمل العلاقة بالدين فقط، بل كذلك بالجندر والهويّة الثقافيّة. أما محمد الشريف فرجاني فتناول نصّه موضوع “الجسد والحريّة” الذي شدّد فيه على أنّ تحكّم الإنسان في جسده يجب أن يكون على رأس قائمة الحريات، وتناولت نادية السليني التأويلات الفقهيّة التي تحافظ على دونيّة المرأة في نصّها “المرأة وما اعتبروه مقدّسا: دعوة إلى مراجعة المسلمات”.

بدوره، تناول حمادي الرديسي، من زاوية نظر فلسفيّة، حرية الضمير التي اعتبرها “حريّة صامتة، إطلاقيّة ومتألمة”، ودارت مساهمة أحمد القاسمي حول “المبدع التونسيّ وحريّة الضمير: عوائق دستوريّة وأخرى لا دستوريّة”. وفي نصّه “شيعي وشيوعي والضمير بينهما”، تطرّق السينمائيّ والكاتب العراقيّ قاسم حول إلى مسيرته الثريّة وتحوّلاتها، واختار الباحث المغربيّ محمد الصغير جنجار بحث “الازدواجيّة المعياريّة وأبعاد صمت الدستور المغربيّ عن حريّة الضمير”.